عيد النصر و مفترق الطرق
بقلم : عصام سلامة
عيد النصر .. هو نتاج تشبع اوراق التاريخ بالأحبار التي سجلت بطولات الزعماء والشعوب ،
وتعطرت بنثرات من دماء شهداء الاوطان ، فسجلت في تاريخ كل بلد يومًا متميزا .
لم تخلو أمة لها تاريخها وحضارتها من هذا العيد الخالد في ذاكرة ووجدان الشعب ،
وبحسب البعد الزمنى لتلك المناسبة الوطنية تكون الروايات إما حكايات الأجداد عن بطولاتهم أو قصص التاريخ المحكي جيلا بعد جيل .
وفي مصر وبتاريخها المعاصر ، يتزامن عيد النصر مع الانتصارات التي هزمت العدوان الثلاثي في بداية عصر الكرامة الوطنية واسترداد السيادة
ببداية حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وتحديدا يوم ٢٣ ديسمبر / كانون الأول من عام ١٩٥٦ .
في هذا اليوم انتصرت الإرادة المصرية على سطوة ونفوذ وطغيان المعسكر الاستعماري الدولي الذي أراد أن تبقى مصر تابعا له لا إرادة لها ولا صوت ،
الاستعمار الذي شن عدوانه حينما هددت مصالحه بعملية تأميم قناة السويس التي أعادت الحق لأصحابه
وعاد مجرى القنال وطنيا يتعمد ماءه بدماء الشهداء القتلى المستقر في القاع منذ عمليات الحفر فيما عرف تاريخيا بـ مرحلة السخرة .
إن هذا العيد رغم القدسية الملازمة لامثاله في دول اخرى ، إلا أنه في مصر لا يتذكره الكثير من أبناءها ،
وهو إن أردنا الدقة فإن تجهيل الوعي في الذاكرة الجمعية بهذه المناسبة الوطنية يعد تغييبا بفعل الفاعل المتلاعب بالتاريخ والحاضر
راسم الأدوار على رقعة الشطرنج بمربعيها الابيض والاسود ممهدا السجادة الحمراء لصاحب عرش الظلام المرسوم والمعلوم .
محو الذاكرة أو تغييبها ليس إلا نقطة استهداف مرحلية ومؤقتة ضمن مخطط موضوع ، فالأشد إيلامًا من عملية التجهيل الممنهجة هو السير عكس الاتجاه ،
هو إقناع الشعوب بأن التخلي عن الأرض واجب حضاري باعتبارات واهية حول التحليق فوق القيود ومحو الحدود ،
وأن التسليم بسيادة الغير أمر تقدمي بحجة القيادة للأكثر تطورًا ، وأن دماء الشهداء التي سالت عبر التاريخ هي حكايات العصر الحجري في ظل العهد النفطي .
إن ما جرى خلال الأيام القليلة الماضية من حديث حول سن تشريع جديد خاص بهيئة قناة السويس يقوم بتحويلها الى صندوق سيادي يمكنه من بيع وشراء وتأجير واستئجار الأصول الثابتة والمنقولة ،
يفتح الباب على مصراعيه أمام عودة الشركة المساهمة المصرية إلى شركة عالمية من جديد ،
وهو هنا يتجاوز الحديث عن مكاسب القناة أو التحديات التي تواجهها في ظل الأزمات الإقليمية والدولية ، ويقفز مباشرة إلى حد النفوذ والسيطرة والسيادة .
إن صيحة الراحل جمال عبد الناصر في معركة التأميم التي ارتجفت لها حواس الاستعمار وزلزلت بسببها الأرض تحت أقدامه ، تستهدف اليوم من خلال محاولات تحمل مسميات الحداثة والإستثمار ،
إن ما فشل به البنك وصندوق النقد الدوليين في منتصف القرن الماضي يعود اليوم في الربع الأول من القرن الراهن ،
لم تكن تلك الصيحة التي انطلقت من مصر لتقف امام الحدود السياسية للدول بل تجاوزتها لتمتد الى كافة بقاع الأرض
وتطرب أذان الثوار في القارة الأمريكية الجنوبية وتمتزج مع نضالهم ضد الإمبريالية وتهزمها باستحقاق في هذا العصر الذهبي .
وطوال هذه العقود الزمنية يخطط الاستعمار القديم الحديث بكافة السبل لتبخير صدى تلك الصيحة الإشتراكية المدوية ، واليوم على ما يبدو فإنه يخطو خطوة واسعة وصريحة في هذا الاتجاه ،
خطوة قد لا يمكن تجاوزها وإبطالها إلا بعد سنوات وسنوات من جهد شاق ، خطوة تعيد دون شك للاستعمار ذلك الوجه المكشوف للصلف والتعالي على الشعوب ،
وتزيد من المعاناة الاقتصادية التي تتعرض لها الدول المستهدفة ، فتتربع جهات التمويل الدولية بأكثر مما هي عليه الأن .
مفترق طرق لا تلاقي بعده ، فإما استمرار السيادة وإما التسليم .