مقالات

ناصر ومراكز القوى والتعددية والانفتاح

بقلم : أحمد حسين

ناصر ومراكز القوى والتعددية والانفتاح

بقلم : أحمد حسين

اخترت التوقف عند ملاحظة عابرة بعد هزيمة يونيو 1967 وهي الهزيمة التي اعتقد انها نقلت ثورة يوليو والدولة المصرية نقلة النقد الذاتي والنضج الثوري,
ملاحظة عابرة في تاريخ مصر لم يتوقف عندها الباحثين ولم يعلق عليها الكتاب او يهتم بتحليل مضمونها أي من المفكرين.

ففي عام 1968 كان نقد التجربة الثورية المصرية نشط بدرجة تستحق الدراسة، كانت عملية النقد تلك مدفوعة من أعلي هرم للسلطة جمال عبد الناصر نفسه
نزولا وحتى الحركة الطلابية وقواعد الاتحاد الاشتراكي ومنظمه الشباب وحتى الناس في الشوارع والمصانع والمقاهي .

لكن قمة هرم السلطة وقائد الثورة نفسه كان اهم محرك لعملية النقد الذاتي تلك, ففي خطاب جمال عبد الناصر الي مجلس الامة عام 1968
كانت الملاحظة التي فاجأتني واجدها غاية في الاهمية هو :
وضع ناصر لمصطلحين او نقول ثلاث مصطلحات سياسية في غاية الدقة وذلك ضمن سياق نقد التجربة نحو تطور الفكر الثوري
باتجاه تأصيل قواعد حكم الدولة المصرية المدنية من جانب ومن جانب اخر التحول اتجاه ضمانات النهج الديمقراطي في ادارة الجمهورية

مصطلح مراكز القوى
ومصطلح الانفتاح
ومصطلح التعددية الحزبية
استخدم ناصر المصطلحات الثلاث في معركه النقد الذاتي وتأصيل قواعد حكم رشيد ضد دوله مراكز القوى ومطالبا في خطاب لمجلس الامه بالانفتاح وإطلاق التعددية الحزبية .
مصطلح مراكز القوى جاء في ذات الخطاب باللهجة العامية وهو ما يدلل علي كون المصطلح ومنهج حديث الزعيم كان خاصا
برؤيته الخاصة دون الحاجة الي خطابات مكتوبه رسمية حيث وجه خطابة لمجلس الامة قائلا:-
” لكن انا بقول اللي حصل برضو كان نتيجة الاتجاه نحو مراكز القوة والاتجاه نحو خلق مجموعة تستطيع انها في المستقبل انها تحكم
و نسيت نفسها فانحرفت و ماوصلتش قبل ما توصل لهدفها اللي هو الحكم وجدت ان سهل الانحراف فانحرفت..
انا بقولكوا بصراحة انني كنت اري بعض مظاهر الانحرافات قبل 5 يونيو و لكني لم اكن اتصور مداها.. حاولت بكل ما استطيع نجحت احيانا
ولم اري الحقيقة كلها في احيان اخري.. و انا فعلا كنت اشفق علي البلد من تكتلات القوي و مراكز القوي”
خطاب جمال عبد الناصر في مجلس الامه عام 1968

ناصر اذن يعترف بان الدولة المصرية كانت تعاني مراكز قوى موازية للسلطات الشرعية الرسمية هذا عن المصطلح الاول,
اما عن المصطلح الثاني مصطلح الانفتاح والتعددية الحزبية فقد جاء في ذات الخطاب وبنفس اللهجة العامية دون صياغات ادبية او خطابات مكتوبه
حيث وجه جمال عبد الناصر خطابة لمجلس الامة قائلا :-
” كان حديثي دائما ايام انتخابات الرياسة و بعد كدة و عندكوا هنا و مرة جيت قلتكوا هل نعمل حزب او حزبين؟
ووضعتلكوا مجموعة من الاسئلة و كان حديثي عن الديمقراطية و المزيد من الديمقراطية لان ده كان السبيل الوحيد ان احنا نغطي علي الانحرافات..
و انا من تجربتي الماضية الناس بتخاف من اثارة اي شيء اما في مجلس الامة اما في الصحف و لكن بعد كدة مابيهمهاش ان الشخص بينحرف
و الناس تتهامس مابيهمش طالما الموضوع ماتنشرش ماتفتحش في مجلس الامة او ماتنشرش في الجرائد خلاص
و لهذا انا ايضا مرة اتكلمت معاكوا هنا علي اساس ان احنا في حاجة الي مجتمع مفتوح .”
خطاب جمال عبد الناصر في مجلس الامه عام 1968

كلا المصطلحين استخدمهم الرئيس السادات في الاتجاه المعاكس وأطلق انفتاح الهدم النشط لمؤسسات الدولة وانطلاق دوله استمدت من الفساد المنهجي طريق في الحكم
في حين كان الهدف في فكر عبدالناصر تطوير دوله الاستقلال الوطني والعدالة الاجتماعية في اتجاه الهدف الثوري السادس
وهو اقامه حياه ديمقراطية سليمه لتتم أهداف الثورة وتخرج الدولة من فتره ثوريه طويله الى دوله حكم راشد ديمقراطي مستقرة .

الغريب ان هذا الخطاب عام 68 سنجد ما يسانده في تفكير عبد الناصر عندما نراجع لقاء جمال عبد الناصر
مع الفيلسوف جان بول سارتر والكاتبة سيمون دي بوفوار في مارس عام 1967 نجده يقول
“إذا حجبنا الشباب عن العمل السياسي تتوقف حيوية الأنظمة ويزداد الاعتماد على عناصر القوة في المجتمع مثل الجيش مثلاً . وهذه ليست وصفة مضمونة لحماية التطور .”

تعرضت فقط هنا لمارس 1967 وخطاب مجلس الامة 1968 كمؤشرات فقط عن مرحله التحول من الثورة الي الدولة نحو الدستور الدائم والتحول نحو التعددية ,
لست هنا اتعمد اثبات او نفي ولست اتخذ اساسا منهجيا علميا لصياغة نظرية معينة حول ديقراطية جمال عبد الناصر
والا كنت تعرضت لوثائق او نصوص اكثرتاصيلا للفكرة مثل الميثاق او بيان 30 مارس او حتى مناقشات جمال عبد الناصر مع اللجنة المركزية في الاتحاد الاشتراكي حول ميثاق العمل الوطني .

لكني هنا فقط القي الضوء بملاحظة عابرة من خلال مقتبس هام يدلل علي تطور التفكير السياسي لثورة يوليو نحو الحكم الرشيد والتعددية السياسية والانفتاح السياسي,
اتمنى ان تكون مجرد فاتحة تفكير مجرد فاتحة تفكير انطلقت من مجرد ملاحظة عابرة – ملاحظة — ناصر والتحول الديمقراطي وسقوط دوله مراكز القوى
مجرد إنصاف للعقل وليس لعبد الناصر.
اثر ناصر

عضو الأمانة العامة بالمؤتمر القومي العربي

 

مسار 24

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى