حدوتة عربية .. الرفاعي ناصر ودعوة الميلاد
بقلم : عصام سلامة
رفاعي لم يكن سوى طفل تفتحت مداركه على صوت الأمواج المتدافعة واحدة تلو الأخرى تصطدم في نهاية رحلتها بذلك الشاطئ الممتزجة صخوره مع رماله لتنتهي رحلتها بلا شئ ،
رأي ذلك الطاعون المتفشي في مجتمعه يقتات أبناءه كسرة الخبز من طحين متبقى من قمحهم المسلوب ، يمرضون فلا علاج فيموتون ، يعملون بلا أجر فيقهرون ،
شاهد تلك البندقية تصوب رصاصها نحو أبناء جلدته فيقتلون دون ضجيج ، تبصر قليلا ليجد ساسة يراهنون بمعاناة شعب يحكمه متجنس غصبا وتزويرا ،
إخوته تائهون لا جامع لهم سوى ذلك الاستغلال والاحتلال والفرقة .
كان يحلم رفاعي بيوم تنتهي فيه المظالم ويسود به العدل ، لكنه الحلم المتحقق بالدماء لا غيرها ، قادته الصدفة الظالمة العادلة ليلتحق بجيش بلاده لا دفاعا عنها ،
بل رغبوا في أن يقتل دفاعا عن ذلك المستعمر وكالة عنه ، لكنه قرر التمرد والانقلاب على ذلك الوضع البغيض ، والثورة على الظلم وإحلال العدالة وجمع شمل الأخوة .
لم يكن رفاعي سوى ناصر الغلابة الذي خرج من قاهرة العدو ، عدوه وعدو رفاقه ، فكان جمال عبد الناصر .
الرفاعي صاحب المقام والعزة والشرف هو ناصر الحق والضعفاء ورفيق الثوار والاحرار ، هو ملهم العالم ليسوده القوة الحق في مواجهة ضعف الهجناء والمتأمرين .
جاء الرفاعي ناصر في لمحة من الزمن ، غيرت معالم التاريخ ووضعت أسس جديدة لنظام عالمي يعلو به صوت الحق في مواجهة الظلم الجائر ،
جاء جمال عبد الناصر ليكون أيقونة الحرية والعدل ومركز ليلتف حوله زعماء وقادة التحرر في العالم من مشرقه إلى مغربه ،
وقلب تلك البقعة الجغرافية التي تتوسط خريطة العالم من المحيط إلى الخليج لتكون منارة الثورة ضد الاستعمار والعبودية .
جاء ورحل ، فلم يكن مجيئه هادئا ولم يكن الرحيل كذلك ، حتى يومنا هذا لا يزال اسمه وصورته تزلزل قلوب ساسة الظلم وتلقي بها الخوف والرهبة ،
فيوكلون لعملاءهم في بقاع الأرض لتزوير وتزييف الحقائق حول رجل الحق ناصر ، ويغيبون العقول بأكثر مما هي مغيبة اليوم ، فرغم وفاته إلا أنه حي في العقول ،
باقي فيما بقى من إنجازاته التي لم يستطعوا حتى الآن محوها .
كان ناصر يلقى خطابه من القاهرة فيصل صداه إلى كوبا والأرجنتين فيتحرك الثوار على حدود الكرة الأرضية ، فقد قدم لا لمصر ولا للعرب وحدهم ،
بل قدم للإنسانية كلها تجسيد واقعي لقيم العدل والحرية والمساواة ، قدم نموذجا للتفاني في حب الوطن والاخلاص له ،
فكان ذكرى في قلب كل مظلوم ، ونبراسا في عقل كل ثوري حتى اليوم .
إن الرجل الذي تتكالب عليه جحافل الأرض لتصيبه في ذكراه بعد وفاته رغم صواب دربه ، فهو دون شك رجل بمثابة أمة يقتدى بها .
لسنا من مريديه الذين قد يصورهم البعض يطوفون حول ضريحه ويتمسحون بشاهد قبره ،
لكننا وكل الأحرار ممن يطوفون حول أفكاره ومبادئه ويتمسحون بإنجازاته كشاهد عل صواب دربه في مواجهة حملات التشويه .
كم نحن اليوم في حاجة إلى لحظة صدق ووقوف مع النفس ، كي نرى ما فعله البعض منا فأهدروا الجهد والفرصة وأضاعوا الحلم والأمل لدي البعض ،
كم نحن اليوم بحاجة إلى مراجعة دقيقة لمسارات تلك الكانتونات الوهمية التي تتشظى لتولد وهما هشا بلافتات من ورق تذهب بها الرياح كيفما تشاء .
اليوم نحن في حاجة ملحة لتصحيح درب وسلوك وضبطه على مقياس الرفاعي ناصر لنعود من جديد ، ٱداة حق تعمل لغايات الحق ،
لا أداة سراب لا يلامسها ويشعر بها سوى من توهم بأن صار جزءا منها .
اليوم نعاني كما كان يعاني ناصر ورفاقه وأبناء زمنه القريب ، نمرض بداء الفرقة والاستغلال والاستعمار رغم ما يكون قد طرأ في تغيير للوجوه ،
نبحث عن شفاء فلا نجد الرفاعي بيننا ، فقد قتلوه روحا في أبنائه ومن يحملون صوته ومبادئه إلا القليل منهم لا يملكون القدرة ومقومات الحركة والظهور .
اليوم لم يتشتت الظلم بل تجمع في قبضة واحدة تضرب في كافة الاتجاهات ، والتشتت صار من نصيب هذا التيار الذي كان عليه أن يحفظ العهد والفكر ،
صار التشتت من نصيب التيار الناصري الذي تأسس على فكر الزعيم الراحل جمال عبد الناصر .
لنكن في ذكرى مولده بلحظة صدق من النفس ، ونمارس سويا مراجعة عاجلة ودقيقة , لنصحح ما صار واقعا مؤلما اليوم ، لنقف مع من صدقوا العهد والفكر ،
ونُقٌوم من ضلوا ، ونفرز من بيننا من خان وتلون وكذب .
لنجعل من ذكرى ميلاد جمال عبد الناصر .. ميلادًا لنا إن كنا صادقون.
رئيس تحرير شبكة أخبار مسار 24 – ش . أ . م